10‏/10‏/2013

رصيف دابادا / فضل خلف جبر

قصيدة
رصيــف دابـــــادا
فضل خلف جبر
من محطة الجبايش الكبرى،
في طريقي إلى الشرقاط،
أرسلت رسالة عاجلة إلى محسن الرملي
قلت له سأصل خلال نصف ساعة
أرجوك كن بانتظاري في محطة حسن مطلك/ رصيف دابادا.
يا الله!
كم تغيرت الأشياء بسرعة مذهلة
أين اختفت تلك الأرض البورما بين الناصرية والشرقاط
من أين أتت كل هذه المتنزهات والحدائق وحقول الذرة وبساتين الفاكهة
كيف انتشرت البنايات الشاهقة في كل مكان مثل العاقول
كم استغرق من وقت قياسي كي يشق العراقيون كل هذه الأنفاق الطويلة
كم استغرقهم كي يشيدوا هذه الجسور المعلقة في الهواء، كالأراجيح
وهذه الوجوه المنعمة!
طلاب يحملون حقائب ظهر في طريقهم إلى ومن الجامعات
صبية ببدلات الرياضة برفقة أبويهم ربما في طريقهم إلى مباراة تنافسية في مدن أخرى
شبان وشابات يقهقهون بأصوات كالموسيقى
رجال متأنقون ونساء متأنقات بملابس محلية الصنع والطابع
ابتسامات بريئة تخبرك دون لبس أن الحياة جميلة!
لا شيء حولك يدعو إلى التذمر على الإطلاق
كل شيء رائع وكامل كأنما فصَله خياط ماهر.
سألت امرأة تجلس إلى جواري: هل أنت جبايشية؟
لا، بعد اختك، فهداوية
ونّعم! فالى أين ذاهبة؟
لزيارة ابنتي التي تدرس الفيزياء الفضائية في جامعة الشرقاط
وما الذي تحملينه في هذه السلة؟
بعد اختك، مصموطة طلبتها بنت أخيك خصيصاً.
وهل المحروسة لا تجيد الطبخ؟
بعد اختك، هي طباخة شاطرة، لكن اليوم راجعة من رحلة ميدانية للمريخ
مؤكد انها اشتاقت لأكل من يد أمها
أي، بعد اختك، اتصلت من المريخ وقالت ستصل بعد ساعتين
تصل بالسلامة ومصموطة العافية!
كانت محطة حسن مطلك غاصة بالمسافرين دخولا وخروجا
اناس بكافة الهيئات والسحنات والأعمار تحدق بشاشة التنقلات الضوئية
الحركة لا تهدأ والضجيج لا ينقطع
والقهقهات تملأ فضاء المحطة
مرت من حولي الكثير من الأحداث والصور
مر أصدقاء ومعارف ومعاقون وأوغاد
مرت غيوم كثيرة ومطر غزير
مرت مدن وأحلام وكوابيس
مر العالم محمولا على عربة نقل المرضى
مررت بي مسمرا في غابة القهقهة
قبل أن أسحبني من ذاكرتي
لأحث الخطى مغادرا رصيف دابادا!.

---------------------------------------
*نشرت في صحيفة (الصباح) العراقية بتاريخ 9/10/2013م

16‏/09‏/2013

قصيدة: إلى حسن مطلك / علي الغثوان


رائِـع النفـس
علي الغثوان

إلى/ الأسطورة الراحل حسن مطلك

يا رائعَ النفسِ من قتلوكَ حُسّادا == يا من وضعت برحمِ الحرف ميلادا
أنتَ الأصالةُ من آشورَ مـنبعُها == واــلدهرُ بــعدَكَ غــيرَ الـحزنِ ما جادَ
يا من جَعلتَ عقولَ الناسِ كلَّهمُ == لا يــقدرونَ عــلى اسـتيعابِ دابــــــــادا
أنتَ الثقافةُ والموروثُ أجــــــــمعهُ == ومثلَ شخــصِــكَ لــلإبداع مــا عــــــــادَ
الكـــــلُّ يـــشهدُ والتأريــخُ قـــــــبعــــــةٌ == تــهــوي إليــكَ لِما أبــدعــتَ مــــــــــــــــيعادا
عليكَ تُثنِي بــلادَ الــعُربِ باكــــيةً == تــرثــيكَ شـــــــعــراً ونـــثراً ثــم إنـــــشــــــــــــادا
وقوةُ الضحكَ في أورى أنتركُها؟؟ == لا والذي أورثَ الإبــــــداعَ أحــــــــــــــــفادا
دعِ العرانيسَ تحكي شوقَ كاتبِها == لِتهــــــديَ الـــــناسَ والأذهــــــــانَ أبــــــــــعادا
وموتُ أحمرَ فوقَ الماءِ ننثرُها == حــتى تكـــــونُ لـــنا الأيـــــــامُ أعـــــــــــــــــــــيادا
وبــنتٌ حــــــلوةٌ باتَـــتْ تُـــــــــــــغازلُنا == حـــتى تحــــوكَ من اــــــلشريانِ أصــــــــــفادا
ظلالُهنَ على الأرضِ التي بُسِطَتْ == حتــى تـــــــكونَ جـــــــبالاً ثم أوتـــــــــــــادا
ولَدَانِ كانا وبنتٌ حـــلوةٌ نَسَجَتْ == بـــيتَ القـــــصيدِ وصارَ الحزنُ نُقّـــــــــــــــادا
وسعفةُ الحبِ حاكتْنَا شِبَاكُ صِبا = قامتْ وصارتْ لِنورِ الحرفِ مرصــادا
أنرتَ قــلبِي وروحِي فِيكَ يا قمراً == مَنْ في المحاقِ وكـــانَ الشــــوقُ أولادا
وأســـودٌ كانَ حباً رَغمَ ما هربَتْ ==عــــروبةٌ قــــــادت الأوطــــانَ أشهــــــــــــــــــــــــادا
إبداعُـــــــــكَ الآنَ أقمارٌ تسامرنا == تــــــزيحُ عنَّا ظـــــلامَ الدهــــــرِ إنْ ســـــــــــــــــــادَ
حكايةُ الحبِ موتُ للسقوطِ بِها == ما جـــــفَّ حُــــبِي لَــــها والقلـــبُ ما كـــــادا
ومـــدخلٌ فــي حياةِ الشوقِ يُجملُهُ == ســـعيدُ مــــنصور من لاقـــاه إســـــــــــــــنادا
وأبــــجدُ الحُسنِ هَوَّزْ في مآثرِها == حُــــسنٌ سواكَ رُبى العــــــينينِ مــــــــــــــا رادَ
أنتَ الـــــجمالُ أشاراتٌ قبائلُه == في قاعةِ الحبِ قــــــــد صاغــــــوه أجـــــــــــــدادا
رُحماكَ ربي بــعقلٍ لا حدودَ لهُ == جَــعَــلَ الروايــةَ للأوطــــانِ أمـــــــــــــــجادا
------------------------------------
*علي الغثوان: شاعر عراقي شاب من مدينة الراحل حسن مطلك

11‏/08‏/2013

إمام الحرية.. حسن مطلك /نص: أمل الجبوري




               إمامُ الحُرّيةِ.. حسن مُطلَك
شعر: أمل الجبوري
من ديوان (أنا والجنّةُ تَحْتَ قَدَمَيْكِ)، باب (شهداء الحرية)
دار الساقي 2013 بيروت
حسن مطلَك([1])
مِنْ قريَتِهِ البعيدةِ عنْ قلبِ بغدادَ
يرسُمُ عراقاً
مليئاً بأنهارِ الحرّيةِ 
يُدفِئُ وجهَ الأرامِلِ الجائعاتِ بالخبزِ والأملِ
كما كانَ يفعلُ معَ جارَتِهِ  
ويحفرُ بالفنِّ على جدرانِ قُرَى الشرقاط([2]) وطناً لا تلوّثُهُ الحروبُ
وطناً خالياً من العسكريةِ والعريفِ الغبِيّ
وطناً خالياً من موظّفي الأدبِ الرسميينَ
الذينَ يحوّلونَ مخطوطاتِ رواياتِهِ وشعرِهِ
بعدَ إعادةِ تصنيعَها إلى ورقِ تواليت منَ الدرجةِ العاشرةِ
لتحقيرِ رُموزِ حكاياتِهِ
التي كانتْ تريدُ حرْقَ...
جُنون العسكرِ والبطولاتِ الورقيةِ،
وخطاباتِ الديناصور التي تحتلُّ القناةَ اليتيمَةَ في عُمْرِ تلفزيونِ العراقِ،
ولا مفَرَّ منْ رُؤيتِهِ،
سماعِهِ،
فحتّى اللهُ كانَ متواضعاً بالمقارنةِ معَهُ 
ومعنَا، فَلا يقتحِمُ عُزلتَنَا إلاّ خمسَ مرّاتٍ في اليومِ،
وفي أديانِهِ الأخرى مرّةً واحدةً في الأسبوع.
إلاّهُ...
جعلنا نبتكرُ لوركا عراقياً
عرفناهُ ولكنّنَا حينَما دفعْنَا بحُلْمِكَ يا حسنُ إلى الأمامِ 
تركناكَ وحدَكَ كما فعلنَاهَا معَ الحُسينِ
ونفعلُهَا اليومَ مع أهلِكَ في الحويجةِ أو الأنبارِ  
نعَمْ لَمْ نعمّدْكَ لتصيرَ أسطورةَ الحرّيةِ في بلدِنَا
لأنّ التاريخَ مقلوبٌ
ولا نتمكّنُ مِن رؤيةِ وجْهِكَ
أو نلْمسُ وجعَكَ إلاّ بقياسِ «الأحزابِ» التي ادّعتْ النّضالَ 
حسن مطلَك لم يمسّكَ ناظورُ عشيرةِ الجبّورِ
التي تصدّرَتْ القائمةَ الحقيقيةَ بمحاولاتِ الانقلابِ على البعْثِ
لكنّهُ أمسَكَ بالعراقِ كُلِّهِ
بالعراقِ الّذي
لا يتحمّلُ الحُلمَ 
في بلادٍ فِيها الإعلاميّونَ
والأدباءَ قطيعٌ في مزادِ الصّمتِ والسُّلطاتِ
لماذا كنتَ متقدّماً كثيراً على خرائِبِنَا؟!!!
على تقديمِ عُنقِكَ لجَلاّدِيكَ؟
وأنتَ الشّجاعُ،
الشجاع،
المتهوّرُ،
المفرطُ في حُبِّكَ للحرّيةِ،
والمفردُ وتاريخُ بلادِكَ جَمْعٌ  يَتَشَيّأُ في الهوياتِ
إلاّكَ أنْتَ 
هلْ ندِمْتَ اليومَ،
لأنّكَ دافعْتَ عنْ أحلامِ كُلِّ العراقيين
في الانعتاقِ؟!
ولم يتذكّرْكَ أحدٌ منهُمْ إلاّ أخاكَ اليتيمُ محسن الرملي([3])
مغامراً باستحضارِكَ في نشر مخطوطاتِكَ
معتذراً بالنيابةِ عنّا نحنُ الكتّابِ 
رافضاً جوائزَ المضطهدينَ «ضحايا حرّية التعبيرِ»
محاولاً إيقاظَ التاريخِ منْ تخديرِ الأكاذيبِ
فاركاً عينَهُ صارخاً بهِ: أيُّها التاريخُ اسمعْ واقرأْ ودوّنْ...
لتنظرَ إليهِ... إلينا جميعاً،
بضميرٍ غيرِ مثقوبٍ بالتّزويرِ أو الطائفيةِ 
نعَمْ كانَ هناكَ
بطلُ الحرّيةِ
كانَ هناكَ
للعراقِ
لوركا
وحسين لم يحْلَمْ بخلافةِ العباسيين حينّما قرّرَ تغييرَ النظامِ
كان حسن مطلَك إمامَ الحرّيةِ المظلومِ في العراقِ الجديدِ
كان جيفارا الذي لم نضعْ صُوَرَهُ فوقَ قُمصانِنا،
يومَ خرجْنا للتظاهرِ ضدَّ حكومةِ المحاصَصَةِ.
كُتُبُ حسن مطلَك توبّخُنا جميعاً:
«لماذا تتشظُونَ في ميزانِ الطوائفِ غير العادلِ،
غيرِ العاقلِ،
غيرِ الإنساني»؟!!!
يا حسن مطلَك حتّى وإن تأخّرتُ عليكَ بهذا النّداءِ،
لكنّي أراكَ هناكَ في السماءِ السابعةِ للقدّيسينَ،
أنتَ وضرغام هاشم وهادي المهدي 
لكنّكَ تفوّقتَ
علينَا
فأنتَ حُرٌّ وكذلك هُمُ الصّديقونَ في زمانِ الأكاذيبِ
ونحنُ عبدَةُ ذوَاتِنا،
وخوفِنا.
يا حسنُ ألمْ تندمْ اليومَ على العراقِ الذي أحْبَبْتَ؟!
العراقِ الذي كسرَ أحلامَكَ يومَ وضعَكَ في خانةِ المناطقِ الغربيةِ!!
المناطقِ التي يدّعونَ زوراً أنّها «خسرت الرفاهية» بسقوطِ الصَنمِ.
وأنتَ الشاهدُ والشهيدُ،
لا... أنتَ الجمرةُ التي ستبقَى تحرقُ التاريخَ،
التزييفَ،
الأوهامَ،
أنت يا حسن...
يا بطلَ الشرقاط، بطلَ قريةِ السديرةِ هناكَ في الأعالي
يا إمامَ الحرّيةِ... يا بطلَ البلادِ 
بناتُك المنسيات... اليومَ
هُنَّ زينبُ المنكوبةُ بحُسينِها المسروق في زمن اللصوص.
لقدْ تأخّرتُ عليكَ كثيراً بهذا الحُزْنِ 
تأخّرتُ وانتظرتُ كتابةَ اسمِكَ بعدَ 2003  في طليعةِ الثّوارِ ضدَّ النّظامِ
ولكنَّ...
الشجاعَ حسن مطلَك الخارجَ عنْ قوانينِ الطبيعةِ في عالَمِ التّضحياتِ،
لمْ يقتلْهُ غُموضُ نَصِّهِ.
حسن قتلَ الوضوحَ في ظلامِ الوطنِ،
فقدْ عَزَّ عليهِ أن يرَى الرّجالَ خائفينَ،
والأمّهاتِ متعباتٍ منَ الحروبِ،
عَزَّ عليهِ أن يتفوَّقَ على خيالِهِ النبيّ...
مجرّدَ مُنافقٍ في قافلةِ الرئيسِ.
عَزَّ عليهِ أن يسوقَ رجلٌ واحدٌ أحلامَ النّاسِ إلى جهنّمَ،
غيرَ مبالٍ إلاّ  بأوسمةٍ منْ نُعوشٍ رُغماً عن أنفِها تسيرُ.
حسن أرادَ أنْ يُنزِلَ الشمسَ والقمرَ إلى وجْهِ العراقِ
ولمْ يعرِفْ أنّهما ضدَّانِ
وأنَّ بلادَه لا تحتملُ الضّياءَ.
ظلَّ يرسمُ في مقهَى الأدباءِ ومُنتدَى الأدباءِ الشبابِ قائِمةَ العشّاقِ والعاشِقاتِ،
على مقاساتِ الحبِّ العُذْريِّ
وينقشُ جنْبَ كُلِّ واحدٍ منهم بستاناً منَ الفرحِ في مدنٍ لا تحتملُ إلاّ البكاء. 
وقرى بيضاءَ وخضراءَ وأنهاراً لا يغارُ منها الفراتُ
الأنهار والجداولُ خطّتْ ورسَمَتْ أسطورةَ حسن مطلَك 
حينمَا سارَ بقلبِهِ إلى قرارِهِ بأنْ يكونَ ثائراً..!
ومتَى وأينَ..؟!!!
في الزّمنِ الخطأ،
في المكانِ الذي هُوَ مجموعةُ أخطاء.
أمّهُ لمْ تصدّقْ أن المشنقةَ سحبتْهُ إلى وجهةٍ أخرى،
غيرَ بيتِهِ المهجورِ الذي أكملَ لِلتوِّ بناءَهُ وبالتقسيطِ
وأنَّهُ لنْ يعودَ أبداً إليها
حتى وإن ناكدَها وأخافَها حينما صرخَ عالياً: «أمي،
 السعلوة هوَ
هوَ الطنطل([4]) هو...
هوَ كُلُّ شيءٍ يُقابلُ رعبَ أطفالي ويُخيفُكَ أنتَ أيضاً.
قولِي لمروَةَ قولي لها إنَّ أباكِ لا يريدُ عُشبَ جلجامش
 ولا سيفَ صلاحِ الدين 
ولا أسطورةَ الحُسينِ»
حسن مطلَك أرادَ شيئاً واحداً فقطْ 
أن نكونَ حالمينَ،
مدافعينَ عن أحلامِنا،
حتى وإنْ صحّحنا الخطأَ اللُّغويَّ لطغاتِنا كما كانَ يفعلُ هُوَ
لقاضي محكمةِ الثورةِ الملعونةِ أبدَ الدّهرِ في حَبلِ المشانقِ.
المشانقُ في بلادِنا لا تليقُ إلاّ بالحالمينَ أمثالِهِ،
الحالمينَ أبعدَ منْ حُدودِ النومِ،
في بلدانٍ تسهرُ وتصحُو...
لتقتلَ كلَّ النائمينَ،
خَوْفَ نبوءَةِ حلمهِمْ في الانعتاقِ،
منْ وَهْمِ الأوطانِ،
الأديانِ والتعاليمِ.
كلُّها حبالُ المشانقِ تلكَ
بلدُنا لا يليقُ بكَ أيُّها النبيُّ الذي شقَّ الكلامَ،
وأخرَسَ الموتَ الذي غادرَكَ،
وأنتَ تُبصرُ بعدَ عقودٍ ذاتَ الحبلِ الذي حرّرتْكَ منهُ حُرّيتكَ...
يلتَفُّ على ظلمِ ظالِميكَ ذاتَ يومٍ كنتَ تريدُهُ احتجاجاً،
وغفراناً لهُمْ منْ ذنبِكَ الذي لنْ يبْرَأَ منهُ كلُّ مَنْ نَسيكَ،
أو ادّعَى بطولةَ «حرّيةِ التعبيرِ» في بلادِ الدكتاتور.
كانَ زملاؤكَ يصرّحونَ بأنّهمْ ضَحايا النظامِ،
ومُلاحَقونَ بسببِ قصائدِهم لا غيرَ
حتّى أتعبُوا حملةَ كاميراتِ الإعلامِ الغربيّ
التي كانتْ بأمَسِّ الحاجةِ إلى هؤلاءِ لشَرْعَنَةِ الحربِ ضدَّ العراقِ 2003
خاصةً إذا كانَ الشاعرُ «مختفياً»
أو «مُتخفياً» أو حتّى إذا تعدَّى الأمرُ إلى شاعرةٍ «ساخرة» من بلادِكَ
أصبحَتْ فيما بعدُ «بطلةَ الحرّيةِ» في بلادِ الأمريكان!!!!
فيما كنْتَ أنتَ... منسيّاً هناكَ،
في الشّعبةِ الخامسةِ لدائرةِ الأمنِ العام 
في أسرِ الشّهورِ الستّةِ منْ عمْرِ التعذيبِ الأسطوريّ
كُنتَ وأنتَ تتقدّمُ زملاءَكَ إلى موكبِ الموتِ يوم ١٨/٧/١٩٩٠  
أنتَ فكرةٌ والأفكارُ تُخيفُهمْ 
فأحاطوا موكبَ موتِكَ بمدرَّعاتٍ،
وطائرةٍ مروَحيّةٍ تحومُ فوقَ الرتلِ المتوجّهِ إلى مقصلةِ الإعدام.
كانوا يخافونَ فضيحةَ أن يفتضِحَ خوفُهُمْ مِنْ حلمِكَ النّبيل...
شابٌ لمْ يُكْملْ الثلاثينَ
حلمَ ولكنْ بصوتٍ عالٍ
بالحرّيةِ
ولم يحلمْ بغيرِها
مجرّدَ حلمٍ في جمهوريّةِ العسكَرِ  
لا أقلَّ ولا أكثرَ 
حرّيةٌ،  كلمةٌ طائشةٌ وضالّةٌ وكافرةٌ
وسحريّةٌ في واقعيّتِكَ الحنظلِ التي لا تتحمَّلُ
أيَّ شيءٍ جميلٍ خارجَ إطار المدحِ الحكوميّ.
كمْ نحنُ كذّابونَ إذاً،
ومنافقونَ
يا حسن فلمْ تُخْجِلنا ابتسامتَكَ،
وأنتَ تلتفُّ على حبْلِ المشنقةِ مثلَ طفلٍ يتدلَّى بحبلِ الأرجُوحةِ،
لا.... رجلَ يُغتصبُ بقتلٍ مجّانيّ. 
لمْ يخجلْ بعضُ زملائِكَ منْ رِثائِهمْ لَكَ...
لقدْ نسَوْا أنّكَ أكثرُ حياةً منهمْ
لأنّهمْ
لم يُجرّبوا الاعتذارَ عن استلامِ أوسمةِ البطولةِ منَ الذينَ أكمَلُوا اغتصابَ بلادِكَ
وأقاموا أعراسَ دَمٍ في كُلِّ مكانٍ
حينما منَحُوا عمراً إضافياً للدكتاتور:
ثلاثةَ عشرَ عاماً منْ عُمْرِ الحصارِ،
ونحنُ نهربُ منَ العراقِ،
تحتَ حُججٍ وأعذارٍ نهرُبُ
وأنت تصرخُ بِنا:... إلى أيْن؟!!!
«والله لو توقّفنا عن الخياناتِ والغدرِ بحُلْمِنا...
لتمكَّنَا منْهُ ومِنْ كُلِّ طنطلٍ ممكنٌ أن يجيءَ
لا تتْرُكوني إلى شِتاتِكُمْ،
ولا تُجرِّبوا منافِيَ لا يُمكنُها أنْ تكونَ رئةَ الوطنِ البديلِ»...
صدقَتْ نبوءَتُكَ...
لكنّنا كُنّا نخافُ موتَكَ،
فنَسُدُّ بالأوهامِ آذانَنا ونخْلُقُ أساطيرَ لنجاتِنَا منْ بطْشِ السُّلطةِ.
نتقلَّدُ أوسمةَ الدّولِ الغربيةِ،
ويُحتفَى بنا،
دونَ أنْ نلتفتَ إلى قبرِكَ اليتيمِ.
كانتْ الأرملةُ هيَ وبقرتُها وحمارُها هناكَ في الشرقاط
أكثر صِدقاً ووفاءً منّا لكَ
ولاضطهادِكَ الذي نستعيرُهُ لحصْدِ المزيدِ منْ أوسِمةِ وجوائزَ «الكُتّاب المعارضين»
تلكَ الأرملةُ التي أدمنَتْ صيانةَ قبرِكَ منْ عفَنِ النّسيانِ
يا حسنُ أنتَ كريمٌ فمُنَّ عليهِمْ، علينَا، بالتسامُحِ
يا أيّها المسيحُ المُخلِّصُ
والمنتظرُ في عهدٍ فاضَ فِيهِ كُلُّ شيءٍ
قريباً في الزمنِ الأبيضِ الذي مُتَّ منْ أجْلهِ...
سيأتِي لا محالةَ
اليومُ الذي يُكتَبُ اسمُكَ في أوّلِ صفحاتِ الكتُبِ المدرسيةِ
حيثُ سيتعلَّمُ الجيلُ الجديدُ منْكَ درْسَ الحرّيةِ وحُبَّ الوطنِ
حينما كُنتَ تسخَرُ من أدواتِ التعذيبِ
ولنْ يندهِشَ أطفالُنا ذاتَ يومٍ
منَ الذين زوَّرُوا أملَكَ في مكافحةِ الخوفِ،
وبعوضِ النّفاقِ  
ولكنْ وأنتَ تجفّفُ دموعَ أمّكَ،
بدمِكَ، وتهدُمُ بصبْرِ الأمّهاتِ
كلَّ جدرانِ العراقِ التي ضاقتْ عليْنا بعدَكَ.
فأنتَ معادلَةُ الحقِّ والحلُمِ،
في نَوْمٍ يسرُقُ الأرقَ حقيقة ما دوَّنهُ العالمُ منْ نفاياتٍ
و... أكاذيبِ الحكاياتِ([5]).


[1]  الروائي حسن مطلَك الكاتب العراقي الوحيد الذي صدر بحقه حكم الاعدام شنقا أثناء حكم النظام البعثي في العراق . وقد استشهد عام 1990 وذلك بسبب اشتراكه في المحاولة الانقلابية ضد نظام صدام.
[2]  الشرقاط هو لواء كان تابعاً لمحافظة الموصل في العراق ولكنه أُلحق بتكريت في نهاية الثمانينيات، ويمتاز بانتماء غالبية مواطنيه الى قبيلة الجبور وهي أكبر قبيلة في العراق يترواح عدد أفرادها حوالي الستة ملايين.
[3]  محسن الرملي هو قاص وروائي عراقي، وهو شقيق  الشهيد الروائي حسن مطلَك.
[4] الطنطل هو شخصية اسطورية في الخيال الشعبي العراقي يشابه في ضخامته هرقل، والسعلوة هي شخصية شريرة أسطورية من نسيج الخيال الشعبي أيضاً، يُستخدمان في إخافة الأطفال، وهما شخصيتان يمثلان الرعب والخوف.
[5] موقع الشهيد حسن مطلَك  يضيء رموز هذا النص: Hassan  Mutlak حسن مطلَك: hassanmutlak.blogspot.com
-----------------------------------
*من ديوان (أنا والجنّةُ تَحْتَ قَدَمَيْكِ) للشاعرة العراقية أمل الجبوري، والصادر عن دار الساقي 2013 بيروت.