23‏/02‏/2014

قراءة في "العين إلى الداخل" / حسين سليمان

قراءة في "العين إلى الداخل"
 حسين سليمان
حين كتب الروائي الراحل حسن مطلك في منتصف ثمانينيات القرن الفائت يصف أسلوب الروائي الشهير غابرييل غارسيا ماركيز بأنه أسلوب يعوم على السطح ولا يتغلغل إلى الأعماق، وأن نصوصه لا فكر فيها فإنه بذلك يكون قد تجاوز الوهم الذي أنشغل به معظم المثقفين والكتاب الذين كانوا يتلهفون للحديث عن ماركيز، يتلهفون لقراءة ماركيز.. فهذا الكاتب حسب رأيهم هو مفجر السحر والخيال، تقاربت أعماله من الكمال. في تلك الفترة كانت قد نشرت في العربية روايات ثلاث له وهي "مائة عام من العزلة" و"خريف البطريرك" و"الحب في زمن الكوليرا" وهي أفضل ثلاث روايات كتبها ماركيز، وتلك الفترة كانت سنوات الإزدهار لهذا الكاتب في اللغة العربية. في جرأته هذه عن ماركيز يحسن بنا القول إنه قال ذلك ليس من باب المخالفة أو من باب عرض الحال بل قال ذلك عن دراية وعمق. كان حسن مطلك ظاهرة أدبية من سلبياتها الوحيدة أنها كانت قصيرة المدى، لم تتجاوز عمليا العشر سنوات كتب خلالها روايتين كبيرتين وهما "دابادا" و"قوة الضحك في أور". والعملان يعكسان روح الوجودية \ العدمية والتي عادة ما تسكن كبار الفنانين، هذه الروح لها عيون تفكك الواقع وتنظر من خلاله إلى اللامرئي والذي دوما حيّر الإنسان إن كان بالفعل هناك حياة مجاورة وأعماق أخرى لا ندركها.
ربما تفتقر الساحة الثقافية إلى كتاب مفكرين، فمظعم ما نعرفه عن الكتاب العرب أنهم حكائون ساردون، يروون قصصا تروى في جلسة سمر أو تعرض في مسلسل تلفزيوني. وكنا قد توارثنا هذا الإفتقار من الأجيال السابقة، فالفلسفة والتأمل والفكر ليستا من الشأن العربي إنما هما من الشأن الآخر، ربما الغربي أو من الشأن الصيني الهندي. هذا القول ليس صحيحا بشكل مطلق بل هو حقيقة أملاها علينا الظرف المعيشي والمناخ. إن المنطقة الشرقية لها مميزاتها أيضا ولها روحها المتفردة التي لا يستطيع أحد آخر أن يقلدها.
في كتابه "العين إلى الداخل" المنشور عن مؤسسة الدوسري والذي جمعه وحققه د. محسن الرملي، أخو الراحل، يـُفتتح العمل قائلا: "عندما تكون العين إلى الداخل، دوما تعكس صورة العالم". هذا الكتاب هو أوراق يوميات كان حسن مطلك قد بدأ كتابتها في حزيران عام 1983. "إنني أستجمع قوتي للوثوب، للإفتراس، للبدء في الكتابة....سأبدأ مرحلة جديدة من عمري الآن...وأختم بالنسيان على الماضي...لقد كنت متعبا!
"كنت أتخيل فقط..وأنظر إلى كلماتي بأنها سخافات كبيرة..كنت أبحث عن العمق فيها فلا أجده. وقد تذكرتُ الآن ما قالته لي تلك المرأة: - أحبك. فقلت لها: لا وقت عندي لغير الكتابة..وكتابتي، كما تعلمين، ليست مطلبا ذاتيا خاصا..فالذي يدفعني بالأساس إلى الكتابة هي الغيرة..نعم الغيرة.
أتغار علي حقا؟
أغار على وطني الذي كلما قارنت أدبه بآداب الشعوب اكتأبت."
" لو يتركونني هنا في غرفتي المتربة، بين كتبي وأحلامي وعالمي الصغير..أحس أنني لن أضجر، سأجد عزائي في الكتابة والقراءة والرسم.. "
اليوميات تمثل مدخلا مهما لقراءة حسن مطلك، قراءة نقدية عميقة، تغني القارئ والباحث ذلك في محاولة التعرف على همومه وعلى شخصيته، ومن جانب آخر قراءة العراق في تلك الفترة، وللفترة المستقبلية التي أشار إليها في "قوة الضحك في أور" وفي هلوسة "دابادا" التي قلب فيها عن سابق قصد وتصميم أسلوب التخيل في الرواية العربية.
يكتب في 14 حزيران 1983 وهو الوقت الذي بدأ فيه كتابة دابادا: الآن روايتي ستكون محاكمة فكرية لهذا الواقع الرديء، ستكون احتجاجا تنظيرا فحسب. أسأل نفسي، إذا كانت الصور الشعرية تتولد من موضوعية تامة، أو من رمز رياضي، أو من خط..؟ إذا كانت الكتابة تتم بهذه الطريقة الوديعة فالأمر ذو احتمالين: إما أنني بلغتُ حالة تامة من العجز، وإما أنني بلغتُ حالة متقدمة من السيطرة والقوة. حقا أنا لا أعرف أن أحدد حالتي هذه، وقد يمر زمان طويل دون أن أستطيع ذلك، إنما سيحدد الآخرون..."
شاعر ورسام وقاص وروائي، وبرأيي كان الروائي قد تغلب على الشاعر والرسام معا، ذلك لأن الشعر والرسم لا يحملان طاقة الفكر والعواطف الغامضة التي دفع الكاتب ثمنها باهضا بعد سنين قليلة، فمن يقرأ دابادا، وبغض النظر عن الحاجة لتتبع الأثر من أجل التحليل والتركيب، فإنه سوف يشعر بتلك الطاقة الغريبة التي سكنت جمل وكلمات الرواية. ليست الكلمات فقط بل تركيب الصور وطريقة تصادمها مع بعضها البعض ما يشكل جِماعا وتشابكا لم نألفه إلا قليلا في الأدب العربي.
إن ما ينقص المشهد العربي اليوم هو التصوير الداخلي العميق لما يحدث – الكاميرا إلى الداخل بدلا من أن تنظر إلى الخارج وتصور السطح، وهنا نأتي على مقولة ابن عربي "وتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر" فهذا المنجم إن تم فتحه والدخول فيه بغية التعرف على أسراره فإنه سيتم العثور على قيمة الإنسان، وعلى قيمة الحرية، بل قيمة الكلمة مبنى الكون وعماده، التعرف على قدرتها وتحولاتها حيث قيل عنها "في البدء كانت الكلمة". لكن المشكلة في العموم هي طبيعة الإنسان العربي الذي لا يقرأ إلا لماما، الذي لا يجهد نفسه من أجل التركيب أوالتحليل، فهماعمليتان متعبتان، القراءة بالنسبة له هي تسلية تتم في مقهى، أو على سرير النوم أو في رحلة سريعة، ليس فيها شيء من الخشوع والعبادة.
وللتعرف إلى رؤية حسن مطلك عن الإبداع والفكر نقرأ شذرة من قصيدته الأقنعة:
"الشاعر: شخص كتب قصيدة عظيمة ثم أضاعها.
أنظر:
"هيجل" رجل عظيم،

لأنه أضاع الفلسفة..
ولم يجدها "غاستون باشلار"
لأنه نظر إلى  السقف بوضع مقلوب،
لأنه فكر بالتفكير.."
هنا يقارن بين هيجل وبين باشلار، الأول أضاع الفلسفة كي يصبح رجلا عظيما، والثاني أراد أن يجد الفلسفة ففكر بالتفكير ، لقد كان ينظر بوضع مقلوب، فلم يجدها. هذا هو الفرق بين المفكرين المبدعين، المؤسسين، وحاملي الضياء وبين الرجال الذين يبحثون عن الشعر والفلسفة والفكر. ربما نجد من أمثال باشلار كثر لكننا لا نجد أمثال هيغل، وللحديث هنا رابط يحيلنا إلى الوضع الشرقي الممتلئ بمفكرين يشبهون باشلار، في الفكر والفلسفة والشعر، في الوقت الذي نحتاج فيه أشد الحاجة إلى أمثال هيغل. حين تضيع قصيدة عظيمة من الشاعر فهذا يدل أن في أعماقه طوفان من القصائد والرؤى، ولهذا السبب لم يحفل بالحجز على قصيدته ولا بوضعها في مخبأ، بل أطلقها وحررها فأضاعها. هذا الشاعر هو الشعر وهو المنبع، والمنبع لا يحجز مياهه بل يبعثها ويرسلها على هواها.
هنا إشارة ذكية وعميقة يجب ألا تغيب عن ذهن الذين يشتغلون بالأدب أو الفكر، لتكن ايها الإنسان كما أنت، وليكن منبعك الحقيقي هو أنت، فالتفكير لن يجعلك فيلسوفا والقصيدة لن تجعلك شاعرا. إن الخارج لن يجعل منك شيئا بل الذي يجعلك هو الداخل، أعماقك التي تفتح لك المناجم وتولد لك الرؤى. 
-----------------------------------------
*نشرت في (إيلاف) بتاريخ 21/2/2014م
*ونشرت في صحيفة (الغد) العراقية، العدد 511 بتاريخ 5/3/2014

قصيدة مهداة إلى حسن مطلك / سامر المربد

قصيدة
دمعة القلم
إلى روح الأديب الراحل حسن مطلك
سامر المربد

ركضت على حيطان خدّي دمعتي === وعليك يبكي الحبرُ يا حسنُ

قتلوكَ يا بحر العلوم ونورها === سودٌ ضمائرهُم بما ضغنوا

قتلوا بخنجر غدرهم أسطورةً === مَن هُم لأفكار الظلام بنوا

حريّتي قمرٌ يُسامر أحرفي === رغم المحاق سيزهقُ الوَسَنُ

نبعُ البلاغة إذ على فقدانه === آشورُ والأدباءُ قد حزنوا

يبني من الأقلام مملكةً لها === عرش عظيم حرفها المُدُنُ

النثر والأشعار إذ ألوانه === لا تستطيع لحملها السفنُ

كلماتُ دابادا تؤكّد أنّه === عقلٌ بألف قبيلةٍ يَزِنُ

يا قوة للضحك في أورا بدت === وأمامها كل القوى تَهِنُ

لا ما العرانيس استطاعوا نفيها === ولها حقولُ القلب تحتضنُ

وحكايةٌ نحو السقوط قد ارتقت === قمم العُلا والشاهدُ الزمنُ

هذا كتابُ الحبِّ يشهدُ حبَّهُ === في الحبِّ جُنَّ العاقلُ الفطنُ

نقش الرواية في المسلّة عزةً === بمداده فاعتزّ ذا الوطنُ

النهر يسأل ماءَه و ضفافَه === وطيور شوقي إذ هو الفننُ

يا حُرّ ما نام الأديبُ بصنعِهِ === بل للذي كتبوا صغت أذنُ

فاز الشهيد برحمةٍ من ربّه === مع من بدار الخُلد قد سكنوا

-------------------------------------------------------


*سامر المربد: شاعر عراقي، من مدينة الشرقاط.

صفوق الدوغان يهدي فوز روايته إلى حسن مطلك

صفوق الدوغان يهدي فوز روايته (متشمساً كالصخرة)
إلى روح معلمه حسن مطلك
 
أعلنت دار أثر للنشر والتوزيع عن أسماء الفائزين الثلاثة في جائزة أثر للرواية العربية في موسمها الأول 2013. وجاءت النتائج كالتالي: المركز الأول: رواية بوكو حرام للروائي الجزائري عثمان مولوي، المركز الثاني: رواية متشمساً كالصخرة للروائي العراقي صفوق الدوغان، والمركز الثالث: رواية صائد الجثث للروائي العراقي زهير الجبوري.
وفي أول تعليق لهلمركز الثاني: رواية متشمساً كالصخرة للروائي العراقي صفوق الدوغان.
المركز الثالث: رواية صائد الجثث للروائي العراقي زهير الجبوري.
وكانت لجنة التحكيم برئاسة الروائي السوداني أمير تاج السر وعضوية كل من الناقدة الكويتية د.سعاد العنزي والناقد والسينمائي العماني عبدالله حبيب قد اختارت الروايات الفائزة من بين أكثر من 15 رواية تقدمت للجائزة.
وتعتبر الدار أن جائزتها هذه والتي خُصصت للروايات غير المنشورة، بداية لمشروع عربي ثقافي تهدف من خلاله دار أثر لحث المبدعين على المشاركة، ودعم المواهب العربية، وبالتالي المساهمة في الحراك الثقافي في الوطن العربي وستتكفل الدار بطباعتها بالاضافة إلى الجوائز المالية التي حددتها الدار مسبقاً للفائزين الثلاث.
أهدى الكاتب العراقي الشاب صفوق الدوغان روايته وفوزها بالجائزة إلى روح حسن مطلك الذي يعتبره معلمه الأدبي الأهم، حيث قال على صفحته في الفيسبوك: 
"صباحكم المحبة كلها :
بالأمس فازت روايتي المعنونة (متشمساً كالصخرة) بالمركز الثاني، وذلك في المسابقة التي أقامتها دار أثر للنشر والتوزيع، ومن شروط المسابقة أن تتم المشاركة بعمل روائي غير مطبوع، حيث ستتكفل الدار بطباعة الروايات التي فازت بالمراكز الأولى.
فرحتي عارمة وثلاث أرباعها أهديها لحسن مطلك بكل داباداته.. وكان الله في عون الأدب  .
نسخة إلى العراق .
نسخة إلى قرية الأبطخ .
نسخة إلى زحمة الرياض التي أعانتني كثيرا على التفكير".
يذكر أن الدوغان من مواليد عام 1984 و(متشمساً كالصخرة) هي روايته الأولى، مهداة إلى حسن مطلك، وهي رواية مشبعة بروح لغة الكاتب العراقي الراحل وخاصة في روايته (دابادا) كما أن صفوق الدوغان يدير صفحة في تويتر باسم حسن مطلك (على هذا الرابط @hmutlak) يقوم من خلالها بالتعريف المتواصل به وينتقي فيها بتتابع عبارات متميزة من أحد أعمال حسن مطلك.
هذا وقد كانت لجنة تحكيم الجائزة برئاسة الروائي السوداني أمير تاج السر وعضوية كل من الناقدة الكويتية د.سعاد العنزي والناقد والسينمائي العماني عبدالله حبيب، وتعتبر الدار أن جائزتها هذه والتي خُصصت للروايات غير المنشورة، بداية لمشروع عربي ثقافي تهدف من خلاله دار أثر لحث المبدعين على المشاركة، ودعم المواهب العربية، وبالتالي المساهمة في الحراك الثقافي في الوطن العربي وستتكفل الدار بطباعتها بالاضافة إلى الجوائز المالية التي حددتها الدار مسبقاً للفائزين الثلاث.